كذبة الغربة..?!

الذي اخترع كذبة نيسان, كان يعيش في عالم يعمه الصدق, فترك فسحة يوم لإخراج العقل واللسان من عقال الحقيقة.

ولذلك انتهى مهرجان الكذب البريء في الأول من نيسان, لأن عالم اليوم مصاغ بالكذب. طبعا الكذب الأبعد عن البراءة ـ إن كان ثمة كذب بريء فعلا ـ وتمر الأيام من فوق الكذب وكأن لا شيء يحصل.. بل يجرؤ الكذابون على التشدق والشرح والتفصيل والأوامر والضغوط والعقوبات وحتى الحروب.. ولا من يسأل في عالم اليوم, من يضع حدا للكذب.‏

الكذبة الكبرى في هذا القرن , ولا ندري إن كانت ستبقى الكبرى, فالشهية ما زالت مفتوحة.. هي كذبة الأسباب الدافعة للحرب على العراق.. هكذا قالت اللجنة الرئاسية الأميركية في تقريرها حول الأسباب المعلنة للحرب على العراق.. قالت: كانت كذبة.‏

هكذا ببساطة شنت حرب على هذا الشرق المعذب بدأت في العراق, لأن ثمة كذبة سوقت.. ولن يسأل أحد, من بدأها.?! من سوقها?! من قدم وثائقها.?! من المستفيد منها..?! أبدا.. لقد اعتمدت الكذبة الكبرى على تقارير مزيفة وهواجس مفبركة وعالم مشلول.. كان يرى ويحس الكذب وكان الاعتراض خجولا.. بل إن كثيرين ممن اعترضوا على تلك الكذبة, يخشون اليوم أن يسبقهم قطار الكذب الذي يسود العالم.. لذلك أسرعوا إلى أقرب عربة فيه ليساهموا في تسويق كذبة أخرى ربما تثمر لهم ما لا يمنعهم من التمتع بنهب ثروات هذا الشرق والانتقام من تاريخه الحضاري والثقافي.. وسيسهل لهم غياب قداسة البابا يوحنا بولس الثاني مهمتهم.. فقد كان قداسته من أبرز الذين رفضوا الحرب على العراق ومن ثم على هذا الشرق الحزين, الذي عرف ¯ قداسته.. طرقاته المليئة بالعذاب والتي مشى عليها يوم حج ليتابع خطا بطرس الرسول.. لكن.. البابا رحل.. والكذب يسكن عالمنا إلى درجة الخشية من كل ما يعتمده هذا العالم من قرارات و لا سيما ما يخص هذا المشرق.. بحضارته العربية الإسلامية..‏

نحن نعيش الكذبة.. ويا ليتنا هكذا وفقط.. بل الكارثة أننا إما نصدقها وإما نتظاهر بتصديقها.. المهم أننا نعمل بمقتضاها.. وهذا المقتضى يقول بصراحة: إننا غرباء.. ولننتبه إنهم يضعون لنا أقانيم الغربة..!! ها هي أوطاننا تتفتت إلى طوائف وفرقاء ومتصارعين متنافسين على تصديق الكذبة أو التظاهر بذلك.. أي على العمل بمقتضاها..‏

لن ينفع أي نداء اليوم يصرخ بالقوم: توقفوا عن الكذب.. توقفوا عن تصديق الكذب.. توقفوا عن التظاهر بذلك.. توقفوا عن العمل بمقتضاه.. والكذبة قادمة لتأخذنا ونحن نعيش الغربة.. إنهما خطان متوازيان يلعب عليهما أبطال السيرك بآلاتهم الحربية المرعبة.. خط الكذب.. وخط الغربة.. فإن انتهى موسم الكذب انتهت غربتنا عن أوطاننا.. ويومها سنكتشف أننا كفرنا كثيرا بأننا ننتمي لهذا الوطن وحضارته وتاريخه وإننا أصحابه وأمته واتبعنا طاغوت الكذب..‏

لكن.. أيهما أول..‏

ننهي الغربة.. أم ننهي موسم الكذب المرعب..‏

ما الذي بيدنا..?!‏

ليس بيدنا إنهاء موسم الكذب المرعب.. إن كان لنا ذلك هيا نحاسب أصحاب الكذبة الكبرى من أسلحة التدمير الشامل في العراق إلى تقرير فيتزجيرالد.. وإن كنا عن ذلك عاجزين.. يبقى أن نعمل لإنهاء الغربة.‏

أظنه خيارا ممكنا.. لكن ليس لدي الوهم أنه خيار سهل يجب أن ندافع عن أوطاننا.. وتنتهي غربتنا عنها ونحن فيها..‏